الخطأ الأكبر - كيف نربى ابنائنا

نوفمبر 16, 2013


كتبت | الطاهرة عمارى

حتماً قد أثار العنوان دهشتكم وخوفكم معاً ..
وبهذا أكون قد حققت أول أهدافى !!
هل أثرت فزعكم تجاه هذا الخطأ الفادح الذي نرتكبه في حق أطفالنا عندما نحكى لهم ؟؟
نعم .. نحن جميعاً .. نقترف هذا الخطأ .. منذ ان عرفت الإنسانية فن الحكي ، ومنذ أن عرف الإنسان كيف يمكنه ان يصيغ الجمل ويشكل العبارات لينسج منها قصة يحكيها لأطفاله !!
هل عرفتموه ؟! إنها : ” قصص الوعظ المباشر ” … التي مازلنا نعيش في خيالاتها .. ومازال هناك كثيرون منا يتصورون إننا اذا كنا نحكى لاطفالنا .. فنحن لسنا نحكى لهم الا لهدف وحيد : هو الموعظة ، والعبرة ، وتربيتهم على الأخلاقيات الفاضلة ،والمثل العظيمة ، والسلوكيات القويمة . !!
لذا فان كل حكاياتنا لهم لابدان تمتلئ بالدروس ، وان تركز على ما يمكن ان يتعلمه الطفل منها ، ، ولا بأس أبدا أن تختم الحكاية بموعظة واضحة مباشرة .
يحضرنى فى هذا ” الهمجى ” … مسرحية الفنان الرائع : محمد صبحى – معالأحترام البالغ والشديد للفنان العبقرى – لابد واننا جميعا نذكر كيف كانت الموعظة الاخلاقية فى كل فصل من المسرحية فى غاية الوضوح .. ومع هذا فقدافتتحت كل حكاية بامر مباشر يتمثل فى جملة نهى موجهة للمشاهد : لا تكذب .. لا تحسد .. الخ !! إن هذا ما أعنيه تماماً .. وإن كان تقديمه للكبار وبهذه الصورة وفى هذاالوقت من الزمن .. قد يكون مقبولاً بعض الشئ .. لأنه قد يناسب الاغراض التىقصدها المؤلف .. إلا أن أستخدام هذا الأسلوب مع الأطفال وفى الكتابة لهم … مرفوض تماماً .
فقصص الوعظ المباشر قد عفا عليها الزمان .. وتقديم الحكايات للأطفال بهذه الصورة .. يشبه كما لو كنا نرغمهم على تناول جرعة علاجيةاجبارية !! .. ربما يكون ضررها عليهم .. أكثر بكثير من نفعها ! .
قد يقطع الأسى فى قلوبنا حين نعلم أن احصائية حديثة لليونسكو ** منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم والتربية ** قد أشارت إلى أن متوسط قراءة الطفل العربى لا يتجاوز 6 دقائق فى السنة !! ،ونمصمص شفاهنا من الحسرة والحزن على مستقبل ثقافة ابنائنا .. بينما كنانحن جيل القرائين المتمكنين والأدباء العظماء !! … لكننا لا نتوقف أبداً لنسأل أنفسنا .. لماذا ينصرف أطفالنا عن الحكايات وعن القراءة ؟! .. لماذاتحولت القراءة بالنسبة لهم الى عبء ثقيل يثقل كاهلهم ..وهم لا يحتمل ولايطيقون الصبر عليه ؟! إن المتهم الاول والمباشر فى هذا هو : قصص الوعظ المباشر التى يمثل النموذج المثالى لها القصة الشهيرة التى نلقنها لأطفالنا من عشرات السنين : السلحفاة والأرنب .. ! ..
وننسى دائماً .. اننا نتعامل مع كائن ذو طبيعة خاصة .. لابد أن ندقق دائماً فيما نرويه له .. ونتعامل بحساسية بالغة مع ما نقدمه له من كتابات .. حتى وان كان كتاباًدراسياً !! ويحضرنى فى هذا تجربة رائعة .. صاحبتها الكاتبة السويدية ذائعة الصيت ” سلمى لاجرولوف ” التى حازت جائزة نوبل العالمية فى الاداب عام 1909 وكانتأول سيدة فى العالم واول مواطن سويدى يحصل على هذه الجائزة المرموقة .. . هل تعرفون فى ماذا حازت نوبل ؟ .. لقد حصلت عليها عن رواية الأطفال الشهيرة ” مغامرات نلز العجيب ” .. التى يدهشنا انها لم تكن الا كتاب دراسى فى المواد الاجتماعية !! .
كتبتها سلمى عام 1907 بناء على طلب من الأتحادالوطنى للتدريس فى السويد .. كان سبب هذا الطلب كما قالوا تحديدا فى خطابهم لها قبل ذلك بثلاث سنوات : ” نحن فى حاجة إلى كتاب مدرسى يثير الأهتمام ،ويستمتع الأطفال بقراءته فى حجرات الدراسة وفى المنزل أيضاً ” أنظروا كيف كان فكرهم تجاه ما يقدمونه الى اطفالهم من حكايات منذ أكثر من مائة عام !!! .. بينما نحن حين نترجم اعمالنا .. او تقع قدرا فى يديهم .. يبتسمون فى وجوهنا .. ويهمسون الينا بأدب جم : معذرة .. قصصكم رائعة حقاً .. لكنها وعظيةأكثر مما ينبغى !! ويكون ردنا : نحن نحب أن نستكمل تعليم وتربية أطفالنا وتقويم سلوكهم بهذه الحكايات التى نقدمها إليهم !! .. هم يعلمون اطفالهم بحكايات ممتعة ومشوقةومحببة اليهم منذ قرون .. ونحن مازال يسود تعليمنا وأدبنا .. النصح والأرشاد !! و مازلنا نرى أن كل حكايتنا لهم لابد وان تحمل مضمونا اخلاقياً أو دينيا ً .. حتى وإن حاولنا ان نقدم لهم معرفة أو معلومة .. نقدمها لهم فى شكل تلقينى بحت .. نفرضه عليهم قسراً .. !!
حتى أصبح أطفالنا يملون وينفرون من الكتاب المدرسى .. والكتاب الأدبى معاً ، وينصرفون الى وسائل اخرى اكثرمتعة وتشويقاً .
ان الكتابة لدينا فى اغلب الدول العربية تقريباً .. لازالت تعانى من غياب روح الطفولة الحقيقة عنها .. لا الطفولة المصطنعة المتخيلة فى ذهن الكبارليكتبوا لهم .. لهذه فكتاباتنا للأطفال كلها تقليدية .. تربوية .. مدرسيةجافة .. تكتظ بالتعليمات والوصايا .. كتابات من الكبار الى الصغار ! واجدنى منجذبة لأن أطلق على هذا النوع من الكتابة مصطلح : ” الكتابةالتحتية ” .. نفترض فيها نحن الكبار .. غباء الطفل .. وانه لن ينتبه لمحاولاتنا الجاهدة فى ان نحشو له كماً دسماً من الدروس والمواعظ فى حكاياتنحكيها لهم ! .. ان هذا فى حد ذاته تجاهل ساذج .. لتعاملنا مع طفل .. أصبح يتعامل مع الكمبيوتر أسرع مما يتعامل مع يديه !! والواقع أن لدينا عشرات .. بل مئات الأسباب التى تدفعنا لكى نكتب الحكايات ونروى القصص للأطفال .. غير هذا الهدف التربوى المباشر الذى لم يعد يجدى مع طفل القرن الحادى والعشرين . و السؤال هنا .. متى يدرك الكبار .. الآباء والمربين .. إن اسعاد الطفل وامتاعه .. تحريك خياله وشوقه للمعرفة والعلم .. هو فى حد ذاته هدف عظيم وغاية فى منتهى النبل .. متى ندرك جيدا أن : القلوب اذا كلت ملت .. وان التلقين والوعظ فى الحكاية للطفل .. لن يكون ابداً ذو فائدة ترجى مع الصغار الان ..
إن علينا أن نراجع انفسنا فيما نقدمه لهم .. لنتعلم كيف نقدم لهم ما يثيرانتباههم وفضولهم .. ما يحرك حب استطلاعهم تجاه المعرفة .. وما يحثهم علىالتجربة ، والملاحظة ، والممارسة .. أن نعلمهم كيف يكون سلوكهم حسناً .. لان أمامهم قدوة صالحة ، وكيف يفعلون الفعل الحسن .. لا خوفاً من العقاب ،ولا طمعاً فى الثواب .. وانما لان بداخلهم طاقة خير لا تنضب ، وضمير يقظ لاينام .
إن الحكاية الناجحة التى نقدمها لهم .. لابد وأن يقفز مغزاها أمام أعينهم منذ الكلمة الأولى فيها ، وسوء عاقبة الشرير فى الحكاية .. أبلغ من كل حديث عنه ، وحسن خاتمة البطل الصالح أوضح من أن نشير إليه .. لنتركهم هم وحدهم يميزون ويختارون .. ويصنفون بأنفسهم .. الصحيح من الخطأ . ولنعلم دوماً .. أن العودة الى ذكريات الطفولة ، وتقمص دور الطفل .. هوالشرارة التى يمكن أن نقدح بها زناد أفكارنا فى سياق الأبداع لهم،والأنغماس معهم والأحتكاك بهم ومراقبة التصرفات الطفولية العفوية .. هى مفتاح الكنز بالنسبة إلينا .. فى الكتابة اليهم وتقديم الحكايات لهم التى تعجبهم ، وترضينا . وفى النهاية … أعتذر عن هذه الموعظة التربوية المباشرة .. التى نتختص بها الكبار فقط !! انتظرونا في العدد القادم .. لتعرفوا كيف تصبحون مؤلفين من أجل أطفالكم ..
مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ برامج شاعر الحرية 2019 ©