هل تستحق الحكايات كل هذا الجهد والأهتمام ؟

نوفمبر 15, 2013



كتبت|الطاهرة عمارى

ليس أروع من أن أبدأ مقالاً عن الكتابة للأطفال بعبارة جاءت على لسان واحد من أهم أدباء الأطفال في العالم ..

الأستاذ الكبير : عبد التواب يوسف .. صاحب الرقم القياسي في مؤلفاته للأطفال و شيخ كتاب الأطفال كما يطلق عليه في المحافل العربية .

نعم .. قد يبدو السؤال ساذجاً وبسيطاً .. لماذا نبذل الجهد في الكتابة لهم ؟!

وربما يكون الرد ببساطة : لأنهم يحبون الحكايات ..

لكن أبدا لا تكفينا هذه الإجابة . الأمر ليس بهذه الدرجة من البساطة و اليسر ..

لسنا مجرد رواة لحواديت لطيفة يحبها الأطفال ويستمتعون بها ، وإن كان فنحن لا ننصاع دوماً لكل ما يحبون .. و لا نستجيب لرغباتهم دائما .. و ربما كانت هذه النظرة القاصرة لحكايات الأطفال على أنها مجرد حواديت مسلية هي السبب الرئيسي في عدم ندرك قيمة الحكاية بالنسبة لهم ، ربما لا نعرف الأسباب التي تكمن في ضرورة أن نحكي .

كثيرا ما قد يتوجهون ‘لينا برغبتهم في أن نحكى لهم .. لكن الرد غالبا ما يكون :
* أنا مشغول …
* ليس لدى وقت الآن …
* أنا متعب من العمل …
* أطلب من ماما / بابا أن يحكي لك ..

يتكرر هذا السيناريو كثيرا بيننا و بين أطفالنا .. في منازلنا ، و حتى في دور الحضانة والمدارس ..

يظل الطفل يطلب … ونحن نرفض ونعتذر .. و يتكرر الطلب … ويتكرر الرفض ، و تزداد الأعذار . حتى ييأس الطفل فيتوقف عن الطلب .. و نفقد نحن واحدة من أهم المؤثرات في شخصية و كيان الطفل … الحكاية !

ليس ضروريا أن نستفيض في شرح كيف يمكن لقصة أن تغير من معالم تفكير طفل .. ما زال عقله يتشكل .. قد تجعله مثلا يحب : ” الغزال الطيب ” .. و يكره ” الأسد الشرير ” .. الذي يتفرس الغزال ..

نعم .. إن الأمر على هذه الدرجة من الأهمية و الخطورة .. الحكايات تصنع الأطفال ، و تشكل مستقبلهم ..

إنها ليست رغبة يشتاق الأطفال إلى تحققها فحسب .. بل هي ضرورة و واجب .. نستطيع من خلالها مساعدتهم على النمو الصحيح المتكامل .. بدنيا ، وعقلياً ، ونفسيا ..

نحن – في هذا الصدد – لا ننكر على الأطفال حبهم للحكايات واستمتاعهم بها .. إن هذا في حد ذاته هدفاً رئيسيا للحكايات لابد لنا أن نؤكده باستمرار ، وعلينا ألا نغفله أبدا ..

لكننا نرغب فيما هو أكثر من هذا و أفضل و أهم .. كيف يمكننا أن نستثمر هذا الحب و هذا الولع عند الأطفال بالحكايات فيما ينفعهم و يعود عليهم بالخير ؟

إن طرحنا للسؤال بهذه الصورة .. قد يجعل الإجابة عليه حافزا لدفع الآباء والمربين لأن يضعوا الحكايات في مرتبة أكثر أهمية بكثير مما ظلوا يعتقدونه طوال حياتهم !!

إن الحكاية للطفل .. تساعد على تعميق إيمانه بالله و رسله و كتبه و أداء فروضه سبحانه و تعالى ..إنها تساعدهم في محاولات الإجابة عن أسئلتهم التي لا تنتهي عن ” الله ” جل جلاله .. وتعرفهم أن الله رحيم عطوف ودود كريم لطيف .. و هو يحب البشر و إلا لما خلقهم .

الحكاية للطفل .. تجعله ينمو و تنمو معه حاجات جديدة .. ليست ببيولوجية .. ولا هي فطرية .. إنها حاجات اجتماعية يندرج تحتها الكثير ..

حاجته للنجاح .. حاجته للتميز عن أقرانه .. حاجته لتحقيق مركز مرموق .. حاجته للتقدير والاحترام ..

الحكاية للطفل .. تساعد على تكوين ” الضمير ” العاقل الموضوعي .. الذي ينمو معه ليظل ملازماً له طوال حياته ,
الحكاية للطفل .. تساعده على التكيف مع من حوله ، وتمنحه الثقة التي تجعله ينجح في تكوين العلاقات الاجتماعية المؤثرة ، و تزوده بالقدرة على التصرف إزاء المواقف ، و إيجاد الحلول الملائمة للمشكلات ..

الحكاية للطفل .. تمنحه الشعور بالولاء و الانتماء .. وتزوده بالثقافة التي تخلق منه إنسانا متحضرا قادرا على الانجاز والنجاح .
انظروا كم حصرنا من المزايا والمنافع التي يمكن أن تقدمها الحكايات إلى أطفالنا ؟
أن كل هذا يجيب على تساؤلنا الأول : لماذا يجب أن نحكى لهم ؟

ومع هذا فإننا إن استطردنا فلن ننتهي .. ويذكرنا هذا بمحاولة قامت بها اليونسكو لحصر الأسباب التي تجعل الإنسان بحاجة إلى تعلم القراءة والكتابة و إذا بها تتجاوز الستين سببا ..!! و إن كان معظم هذه الأسباب يندرج تحت ما تعرضنا له سلفاً .

إن هذا كله يجعلنا ننظر إلى فن : الكتابة للأطفال .. على أنه نوع من الإبحار في العوالم الداخلية لوجدان و مشاعر الطفل ، واختبار مشوق لبنائهم العقلي .. وهذا قد يجعلنا نعيد النظر تجاه تلك الكائنات الحساسة النبضة .. التي لا تتوقف عقولها عن الحركة .. و نعيد اكتشافها من جديد !!

مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ برامج شاعر الحرية 2019 ©